اخبار حصرية

تحليل نص الحديقة لياسين رفاعية

تحليل نص الحديقة لياسين رفاعية يعتبر نص “الحديقة” للكاتب المبدع ياسين رفاعية، هو نص من فئة القصة، والقصة جنس أدبي نثري يرتكز على السرد إلى جانب الوصف والحوار لنقل الأحداث. ويعود إلى القاص السوري ياسين رفاعية الذي اشتهر بكتاباته القصصية والروائية ومنها “العصافير” “الورود الصغيرة” “الممر”.

تحليل نص الحديقة لياسين رفاعية

عاش النثر العري انتعاشا ملموسا بعد النهضة، حيث ظهرت أجناس أدبية جديدة أهمها القصة وذلك بتظافر عدة عوامل كالتحولات الاجتماعية وانتشار الصحافة والحتكاك بالادب الغربي وترجمته . وتعد القصة فن سردي تعتمد على شخصيات محدودة تتحرك في زمن ومكان محدودين وتوظف فيها تقنيات السرد والوصف والحوار، وغالبا ما تعرض القصة مواقف مؤثرة أو قضايا اجتماعية أو سياسية بأساليب فنية. وقد تجند مجموعة من الكتاب في المشرق والمغرب لابداع نصوص قصصية تباينت في اتجاهاتها بين القصص الرومنسية أو الواقعية، واختلفت في مقوماتها بين القصص الكلاسيكية والتجريبية نذكر منهم يحي حقي ويوسف إدريس وأحمد بوزفورومحمد زفزاف … ويعد ياسين الرفاعية من أعلام هذا الفن في سوريا ومن أعماله “نهر الحنان”، “العصافير” و”الحصاة”. فما موضوع أحداث القصة؟ وما أبعادها؟ وإلى أي أحد متلث هذه القصة خصائص الفن القصصي؟


إن أول مؤشر نصادفه ونحن بصدد دراسة النصوص هو العنوان، باعتباره خطابا موازيا يكشف عن بعض الدلالات المحيطة بالنص. والعنوان قيد الدراسة جاء عبارة عن مركب اسمي مكون من كلة واحدة معرفة توحي دلاليا إلى فضاء عام يعتبر مجالا للترفيه والاستجمام، وغالبا ما يرتبط بالأطفال واللعب. وإذا ما ربطنا بين العنوان وبداية النص فسيتضح ان هذا المكان(الحديقة) يرتبط بزيارة امرأة ورجل رفقة طفليهما له، مما يجعلنا نفترض أن موضوع القصة ربما سيناقش إشكالية ضغوطات العيش داخل المدينة المعاصرة، وبحث الانسان الدائم عن التوازن النفسي والإجتماعي. فهل تؤكد قراءتنا للنص هذه الفرضية أم تنفيها؟

شرح و تلخيص تحليل نص الحديقة لياسين رفاعية

تدور أحداث النص حول قصة رجل وامرأة اصطحبا كل منهما طفله إلى الحديقة ليمرحا في جنباتها، حيث اشتغل الرجل بقراءة جريدته، بينما اشتغلت المرأة بحياكة كنزة صوفية، وراح الطفلان يلعبان ويمرحان، ثم اقتربا من بعضهما واخد يتعرفان ويمرحان في انسجام، وحينما تفقد الرجل ابنه، وتفقدت المرأة ابنتها وحان موعد الذهاب، اقتربا من طفليهما، فالتقت نظرتهما ليكتشفا أنهما كان متحابين فيما مضى فأخد كل منهما طفله، وابتعد فيما بقي الطفلان يلتفتان إلى بعضهما حتى غابا في الزحام. هذه الأحداث جعلتنا نقف أمام عدة أبعاد دلالية تتمثل في الضغط النفسي الذي تمارسه المدينة على قاطينيها، بالإضافة الى بعد تربوي ثقافي يتجلى في وعي الطبقة المثقفة ( الرجل+المرأة =التعليم) بأهمية اللعب في تكوين شخصية الطفل، ناهيك عن التنبيه إلى ضرورة مراعاة الكبار لمتطلبات الأبناء، وتجنب تأتير فشلهم القديم على حياة أولادهم مستقبلا.

واذا ما توقفنا على أحداث هذه القصة سيتبين لنا أنها انبنت وتشكلت وفق خطاطة سردية تتكون من وضعية البداية وتشمل المقطع السردي الأول الذي يكشف عن حالة الاستقرار المرتبطة بدخول الرجل والمرأة إلى الحديقة رفقة طفليهما. ثم وضعية الوسط التي تشمل عدة أحداث تعكس سيروية التحول وتشمل المقطع السردي الثاني الذي ارتبط بحدث مشوش ناتج عن إلتقاء الطفلين بجانب البركة المائية وتطور العلاقة بينهما عن طريق تعارفهما واكتشافهما لنقط التشابه بينها قبل أن يقرار الأبوين مغادرة الحديقة وتتوثر الأحداث بسب صدمة اللقاء بعد قصة حب فاشلة في الماضي. لتنتهي أحداث القصة مع المقطع السردي الأخير على وقع الحالة النفسية المرتبكة التي أصابت الرجل والمرأة. وقد ربط بين هذه المتواليات السردية علاقة سبببية تتمثل في اكتشاف علاقة الماضي التي كانت سببا في خجل الابوين، بالإضافة الى التسلسل الزمني (دخل… وجلس… ثم أخد يقرأ…).
لقد رصدت القصة موقفا محرجا وحزينا عاشه ذلك الرجل وتلك المرأة، فالقصة تعرف استقراراً على مستوى أحداثها من البداية إلى حدود آخر النص الذي سيعرف توثرا يكشف عن حقيقة جديدة ترتبط بماض الأبوين وعلاقة الحب التي كانت تربطهما، وينتهي النص بابتعادهما في حالة من الإرتباك والتوثر وتبقى العقدة قائمة من دون لحضة تنوير؛ حيث تتير في ذهن القارئ مجموعة من التساؤلات عن أسباب افتراق هذا الرجل والمرأة؟ وعن مستقبل العلاقة بين الطفلين؟… الأمر الذي جعلنا نصنف هذه القصة ضمن مرحلة متطورة من مراحل الفن القصصي .

أما بالوقوف على شخصيات القصة نجدها تتمحور حول أربع شخصيات محورية: الرجل والمرأة والإبن عصام والإبنة هدى. وشخصيتين ثانويتين: زوج المرأة وهو تاجر أقمشة وزوجة الرجل المشغولة بأعمال البيت. وقد تميز الطفلان بالبراءة وحب المرح؛ فالطفل عصام في الصف الثالث في غالب الاحيان مع أبيه والطفلة هدى في الصف الثاني وتقضي معضم وقتها مع أمها، وكلاهما شاطر في دراسته. كما تميز الرجل والمرأة بالجدية والهدوء واشتغالهما في التعليم المدرسي. وقد حاول الكاتب أن يرصد وينسج علاقات بين هذه الشخصيات بحيث تميزت علاقة الطفل والطفلة بالإنسجام والتفاهم، إلا أن علاقة الرجل بالمرأة تميزت بالتنافر والقطيعة رغم أنها كانت علاقة حب في زمن ما. كما تحركت هذه الأحداث والقوى الفاعلة وفق نموذج عاملي مكون من الذات (الطفلان) الذي ترغب في موضوع (اللعب والمرح) وقد دفعها الى ذلك المرسل (الأبوان/نزعة اللعب عند الاطفال). أما العامل المساعد فتمثل في فضاء الحديقة التي جمعتهما بالإضافة إلى الحرية التي يتمتعان بها. و المعارض المتمثل في ماض الرجل والمرأة الذي تميز بالتوثر. وبالنسبة للمرسل اليه (المستفيد) فيمكن القول توازن شخصية الطفل.

وبالوقوف على فضاء النص نجد أن المكان يتسم بالمحدودية استجابة لخاصية التكثيف فاقتصر على حديقة المدينة التي بدأت الأحداث بدخولها وانتهت بالخروج منها، وهو مكان عام ومفتوح يقصده الأطفال للإستجمام والمرح، وداخل هذا المكان وزع السارد شخصياته، حيث جعل الرجل والمرأة يجلسان على المقاعد الخشبية فيما توجه الطفلان نحو بحيرة الإوز؛ فالمقاعد الخشبية ترمز للجمود والموت الذي يجمع بين الرجل والمرأة المتجسد في علاقة الحب الفاشلة، فيما ترمز بحيرة الإوز المفعمة بالحياة إلى علاقة بريئة جمعت بين الطفل والطفلة. ولم يبتعد مكون الزمان هو الآخر عن خاصية المحدوية في النص في ظل غياب مؤشرات واضحة ودالة عليه باستتناء الزمن النحوي الدال على الماضي(دخل) والحاضر (يقرأ) الذي يضفي على القصة طابع الموضوعية والواقعية، هذا وقد استغرقت أحداث القصة قرابة الساعتين تقريبا بشكل متسلسل وخطي .

وبالانتقال لصيغ العرض نجد الكاتب قد نوع من التقنيات فزاوج بين السرد والوصف والحوار في هذه القصة بحيث وازن بين السرد والحوار فجعل المقاطع السردية بداية للنص وخاتمة له، وقد تضمنت تقديما للمكان والشخصيات وبعض الاحداث المكثفة ، فيما توسط الحوار المقاطع وحاول من خلاله الكاتب أن يوهمنا بوقعية الأحداث، وترك للطفلين فرصة تقديم نفسيهما وأبويهما للقارئ، أما الوصف فقد تخلل كلا من السرد والحوار وكانت وظيفته تقريب صورة المكان والشخصيات للمتلقي، مع التركيز على الوصف الحركي الذي أعطى للنص نوعا من الدينامية.
وبالموازاة مع ذلك فقد وظف الكاتبُ سارداً غير مشارك في الأحداث يتوارى ويختفي وراء ضمير الغائب. ورؤية سردية من الخلف ساعدته على تصوير حالة الإرتباك التي عاشتها شخصيتي الرجل والمرأة حينما إلتقت نظراتهما بشكل عفوي وجمعتهما الصدفة بعد علاقة حب ماتت في ظروف غامضة. أما شكل السرد الذي اتبعه السارد فهو متسلسل ومتتابع.

                     
السابق
ومن بعض الأمثلة على متصفحات الويب الموجودة
التالي
ما هي العقوبات المفروضة على روسيا

اترك تعليقاً